الثلاثاء، 22 مارس 2011

ودلوقتي مفيش...." فوت علينا بكرة يا سيد"




"فوت علينا بكرة يا سيد"  كلمة ساخرة تعبر عن الروتين الحكومي و مماطة  موظفي المصالح الحكومية في تأدية مصالحك الحكومية  سواءً في المرور او السجل المدني او الشهر العقاري او التجنيد، وغيرها الكثير، ناهيك عن الرشاوي  "الشاي" "والحلاوة" "والمعلوم" وغيرها من المصطلحات الدالة ،والتي كانت في الفترة الاخيرة من المتطلبات الرئيسية لقضاء المصلحة (الطريقة والحل السريع)،

مثال بسيط عن تجربتي الشخصية حينما ذهبت الي السجل المدني عند بلوغي 16 عام لإستخراج البطاقة الشخصية فطلب مني موظف الشباك شراء طلب إستمارة البطاقة الشخصية "رقم قومي" ذهبت الي الشباك الذي تباع فيه الإستمارات فوجدت "طابور" يقف فيه مايزيد عن 50 شخص تقريبًا ،وسألت عن آخر شخص في هذا الطابور للوقوف خلفه ،وأنتظرت دوري في الوصول الي الشباك، وهناك وجدت"الساعي" يدخل الي الموظف ويأخذ بعض الإستمارات ويخرج وخلفه بعض الناس فظننت أنه يساعد موظف الشباك ذهبت اليه وطلبت منه إستمارة ،وكان ثمن الإستمارة 15 جنيه فأعطي لي واحدة وأعطيته 15 جنيه ثمن الإستمارة فقال لي "ايه ده الاستمارة بـ20 جنيه د انا رحمتك من طابور طويل ومليش شاي" فأنتظرت قليلًا فهب قائلًا "هتدفع ولا تجيب من ع الشباك" فقلت له "لا هجيب من ع الشباك" وأنتظرت تحرك الطابور، ولا أجد حركة ولاحظت أن الطابور يزيد وفي مقدمة الطابور كتلة بشرية مكونة من ثلاثة طوابير الطابور الاساسي وطابور علي اليمين وآخر علي اليسار، ووقفت مراقبًا الموظف عن قرب فوجدته يتحدث في هاتفه المحمول مرة وأخري يترك مكانه ويخرج ،ومرة يأكل "وطبعا لازم يشرب الشاي بعد الاكل" ثم يتابع، ومرة يتحدث مع زملائه الموظفين ،تاركًا "الناس تضرب دماغها في الحيط" ، وما جعلني أشعر بالغيظ هو أنه لا يتبقي من وقت العمل إلا القليل وما لايكفي لإنجاز المطلوب،ويرد قائلًا علي الذي يستعجله من الناس "ايه هو انا مكنة ولا انت شايفني بلعب.....طب مش بايع حاجة الا لما تسكتوا" ولا يبالي بمن هو كبير السن او إمرأه تحمل طفلًا او متأخرًا عن عمله او لديه اي ظرف آخر ،وذلك فقط من أجل أن يضطر الناس للجوء الي الساعي ليشراء الإستمارة بـ20 جنيه "وطبعًا ابو قسم بينه وبين الساعي" وهكذا، إلي أن صاح في الناس قائلًا "خلاص كدة الإستمارات خلصت تعالوا بكرة إن شاء الله" والساعي مازال معه إستمارات فكنت مضطرًا للذهاب اليه حتي لا أتغيب عن المدرسة مرة اخري بسبب هذه الإستمارة فقال لي الساعي "ليك انت بقي يا امور بـ25 جنيه" فخرجت غاضبًا ولم أشتري شيئًا وعدت لمنزلي فسألني ابي "اشتريت الإستمارة؟" فحكيت له ماحدث فرد علي قائلًا "مهو كدة انت فكرك في حاجة في الحكومة بالساهل لازم تدفع" وفي المرة التالية التي ذهبت فيها لشراء الإستمارة ذهبت بنفسي الي الساعي وطلبت منه شراء الاستمارة "وطبقتله الـ20جنيه في ايده"،"وطبعًا جبت الإستمارة مفيش 5 دقايق" ملئت بياناتي ثم ذهبت الي شئون الطلبة بالمدرسة لتعتمد لي عليها بالختم الخاص بالمدرسة  فطلبت مني تركها وعلي المكتب وآتي في الغد لإستلامها ، الغريب أن من بعض زملائي قدموا لها الإستمارة وأستلموها في نفس اليوم فسألتهم عن السبب فردوا علي قائلين "يبقي أنت مدتهاش الشاي يا معلم" فأسرعت إلي حجرة "المدير" وأخبرته بما حدث فذهب الي مسئولة الشئون وسألها.. فنكرت ذلك، ورفض أصدقائي أن ينصروني بالشهادة علي ذلك "بس المهم اني ختمت الإستمارة من المدير شخصيًا" ولكن المدير طلب مني الا أذكر ذلك لأحد "آسف يا مدير كان لازم أقول" ذهبت إلي السجل مرة أخري وبعد أن ملئت كل البيانات المطلوبة ومعي صورة شهادة الميلاد ومعي وابي كضامن لي وولي أمري فطلب مني موظف الشباك أن استخرج شهادة ميلاد "كمبيوتر" وإستخرجت شهادة الميلاد وراجعتها فوجدت بها خطأ بإسم "الجد" فظننت أنها خطأ عادي قابل للتصحيح في الحال (وكانت ليلة سودا يوم ماعرفت الإجراءات اللي هصحح بيها الشهادة)، بداية من "القسم" الي "السجل المدني" الي "ارض المعارض" (وطبعًا اروح هنا يقولوا هناك وهناك يقولوا إرجع تاني وأعمل كذا وكذا وكل مكان اروحه يقولي تعالي الاسبوع الجاي او بعد 5 ايام او بعد اسبوعين، وبرضه شاي هنا وشاي هنا وحلاوة ومعلوم وكل حاجة ) وفي النهاية إستلمت البطاقة حين أتممت 17 سنة و3شهور اي إستغرق صدور بطاقتي سنة وثلاثة شهور، وصادفت هناك الكثير من المواطنين يصححون ايضًا اخطاء في بطاقاتهم ومنهم "محمد عبد الله حسن والديانة " "مسيحي" و"محمد حنفي محمود والنوع" " أنثي" وهكذا .........
(سنة وثلاثة أشهر عشان البطاقة  وبالشاي والحلاوة........يا حلاوة ! ) .
مثال آخر ، كنت في المرور مع أبي لتجديد رخصة السيارة فذهبنا الي الشباك المختص لمعرفة التفاصيل فطلب منا شهادة براءة من المخالفات والمفروض تقديم الرخصة القديمة لذلك ودفع قيمة الكشف عن المخالفات 10 جنيهات فوجدت أبي وقد أخرج 15 جنيه مع الرخصة فسألته"هي مش بـ10 بس قالي بـ15 للي مش عاوز يخلص نفسه"وبالفعل خرجت الشهادة بسرعة (من غير طابور ولا وجع دماغ)، وذهبنا الي الفحص الفني اربعة موظفين وكل موظف "خد اللي فيه النصيب" وكل العيوب التي كانت بالسيارة "عملوا مش شايفينها" فنظرت لأبي نظرة ذهول وكنت مستاء جدًا مما حدث وسألته "هو لازم كل حاجة ندفع فيها رشوة؟..... قالي للأسف هي دي بلدك"، ومخالفات المرور في الشارع تنتهي في الحال بدفع الرشوة للضابط او لأمين الشرطة ،وغيرها من الامثلة ،وكنت حزينًا جدًا علي الفساد الذي ملأ ارجاء البلد والاستغلال القاتل وإنعدام ماء وجه موظفي الحكومة ، ومع مرور الايام إنتهت دراستي تخرجت من معهد نظم المعلومات وفرقت درجة التقدير العام بين "مقبول" و"جيد" درجتين فذهبت الي المعهد لكي اقوم بعمل تحسين للدرجة حتي تصبح "جيد" فقال لي أحد المسؤولين بالمعهد،"الدرجتين دول مش سهلين كدة ....دول غاليين اوي)، فغادرت دون تعديل راضيًا  بقضاء الله وقدره ، و بعد التخرج كان علي تقديم اوراقي للتجنيد لأحصل علي التأجيل ذلك لأنني "الوحيد لأبيه الحي" ولكني لم أقدم أوراقي في الميعاد المحدد لدفعتي وذلك لعدم رغبتي في التعامل مع "شبابيك الروتين الحكومية"، ومرت الايام وإندلعت نيران ثورة 25 يناير والتي تمنيت لو إستشهدت فيها من أجل وطني الذي املت فيه التغيير والإصلاح الداخلي والخارجي ، مستعدًا للتضحية بنفسي ودعوت ربي كثيرًا من أجل ذلك ،ونجحت هذه الثورة العظيمة في إسقاط رؤوس الفساد في الوطن ، وتشجع الكثير من الناس في التصدي للفساد والبلطجة والرشوة ، مما جعلني اعيد التفكير في تقديم اوراق الجيش ومحاولًا التوصل الي هل تغيرت الانظمة الحكومية القديمة الروتينية ام لا زالت كما هي..؟، وتوجهت الي وحدة التجنيد، وهناك وجدت أثر نجاح "ثورة التغيير" التي أحدثت التغيير بالفعل، فلم أجد طابورًا بل الكل جالس والموظف يجمع البطاقات ثم ينادي بالاسم، ووجدت تنظيم للأدوار، ولم يطلب مني اي موظف "شاي" او غيره وتمت الإجراءات بكل سهولة ويسر "وحصلت في نفس اليوم علي شهادة التأجيل من الخدمة العسكرية" حتي أني كنت اكاد لا أصدق ماحدث، (أخيرًا خلصت حاجة في الحكومة من غير روتين ولا "شاي")  وخرجت سعيدًا داعيًا ربي أن يحفظ بلدي مصر الحبيبة من الفساد والفاسدين أن ينعم علي أهلها بالرخاء والرقي والتقدم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق